“إمبراطورية” ميشال المر الانتخابية بين الوراثة وإعادة التموضع
منذ ترشّحه عام 1960 الى سدة النيابة، بدأ إبن بتغرين المتنية المهندس المدني ميشال المر يعبّد رسمياً طريقه الى عالم السياسة حيث أمضى 60 عاماً طواها في 31/1/2021 بعدما غلبه كورونا. 60 عاماً شكّل فيها المر صورةّ نموذجية عن اللاعبين في الحياة السياسية اللبنانية الذين ينطلقون من زعامة مناطقية مبنية على زبائنية التوظيف وتأمين الحماية – ولو فوق القانون- وتوفير الخدمات.
60 عاماً كان فيها المر مرشحاً دائماً لا حدود لتحالفاته التي بدأها عام 1960 متحالفاً مع “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، فخسر كما في دورة عام 1964 وصولاً الى دورة عام 1968 حيث فاز للمرة الاولى متحالفاً مع حزب “الكتائب” ضمن لائحة الحلف الثلاثي. كما، نجح بحجز دور له في إيصال رؤساء الجمهوريات: إلياس سركيس وبشير الجميل وإميل لحود وميشال سليمان. كذلك، ساهم ضمن فريق عمل الراحل إيلي حبيقة عام 1985 في “الإتفاق الثلاثي” الذي رعته دمشق.
المر أحد رموز وثوابت حقبة الوصاية السورية
مع دخول لبنان جمهورية الطائف وحقبة الوصاية السورية، شكلّ المر أحد رموزها وثوابتها بدءاً من تعيينه نائباً في عاليه عام 1991 ثم إنتخابه نائباً متنياً مستداماً – منذ العام 1992 حتى وفاته – ومترئساً كتلة نيابية بلغت عشرة نوّاب أحياناً.
المر الذي توزّر مرتين في زمن الحرب، أصبح وزيراً ثابتاً في جمهورية الطائف متنقلاً بين الوزارتين السياديتين الدفاع والداخلية ونيابة رئاسة مجلس الوزراء حتى 26/10/2000 حين ترك عضوية “النادي الوزاري” لنجله الياس وتفرّغ للعمل النيابي فتبوأ منصب نائب رئيس مجلس النواب عام 2004.
طيلة الحقبة السورية منذ ما بعد 13/10/1990 حتى ثورة الارز في العام 2005، كان المر من أبرز رجالاتها وبنى الى جانب دوره السياسي ونشاطه المالي والاقتصادي “إمبراطورية” انتخابية في المتن ثالوثها: الخدمات والتوظيفات وتقديم الغطاء، الإمساك بالبلديات وبمفاصل الإدارة والعسكر عبر مدراء عامين وكبار الموظفين وضباط وقضاة الى جانب التحكم بأصوات الاف المجنسين.
المر يركب موجة “التسونامي البرتقالي” للنجاة
في مرحلة ما بعد الإنسحاب السوري تقلّص حجم المر وإنتهى به الأمر في دورة عام 2005 عضواً في تكتل “التغيير والإصلاح” الذي ترأسه حليفه بالإنتخابات يومها العماد ميشال عون. إلا أن هذه الخطوة عكست حنكة سياسية دفعته الى ركوب موجة “التسونامي البرتقالي” للنجاة عوض أن يسقط أمام المتغيرات مثل وجوه مسيحية عدة كانت رموزاً للمرحلة السورية كسليمان فرنجية.
بعدها ترك المر التكتّل وإستطاع الحفاظ على وجوده السياسي وإن بالحد الادنى رغم قضم ناخبيه تدريجياً أكان جراء إعادة تموضع بعضهم وعودتهم الى أطرهم الحزبية التي كانت مضطهدة في زمن النظام الأمني اللبناني – السوري أو جراء إستعمال “التيار الوطني الحر” سلاح المر الخدماتي وبفاعلية أقوى. إنتخابات 2018 أظهرت عبر الصوت التفضيلي رقماً لا يستهان به لمصلحة المر رغم ظروف المعركة إذ حصد 11945 صوتاً. ربما ساهم في ذلك عدم وفاء العونيين بضمه للائحتهم ثم سحب مرشحين مفترضين على لائحته، ما جعله وحيداً وخلق حالة تعاطف شعبي رفعت من منسوب أصواته التفضيلية.
مع رحيل المر من سيتولى خلافته؟
مع رحيل المر، فرض سؤال نفسه من سيتولى خلافته في النيابة والزعامة؟ في معلومات خاصة لموقع “أحوال” أن خيار العائلة الصغيرة رسا على ميشال الياس المر الحفيد وهو شاب في النصف الثاني من العشرينات. كما تؤكد المعلومات أن الاخير بدأ التواصل مع الحلقة الضيقة من الكوادر منذ شهر وأبلغهم قرار العائلة بخوضه المعترك السياسي خلفاً لجدّه والإستعداد للانتخابات النيابية المقبلة.
كذلك تشير المعلومات الى أن الأمر إنحصر بميشال الصغير جراء عاملين:
أ- تفرّغ والده نائب رئيس مجلس الوزراء السابق الياس المر لإكمال ولايته الثانية في رئاسة مؤسسة الأنتربول وتنتهي في 20 تشرين الثاني 2025.
ب- إختيار عمته ميرنا المر ترك النيابة للقسم الذكوري في العائلة وإستمرارها برئاسة إتحاد بلديات المتن حيث تعتبر أن حظوظها بالحفاظ على المنصب أعلى وأسهل من إمكان خلافة والدها في مقعده النيابي خصوصاً في ظل علاقتها الجيدة مع العونيين ووجود شرط الإستقالة من رئاسة الإتحاد قبل مدة زمنية للترشح للنيابة.
ماذا تبقى من “عدّة شغل” المر الجد؟
لطالما إعتبرت البلديات ركيزة أساسية في “عدة شغل” المر حيث كانت سيطرته عليها في المتن قبل العام 2005 شبه تامة وفق قبضة حديدية وهي شكلت جزءاً من المكينة الإنتخابية والخدماتية. كما أن رؤساء هذه البلديات كانوا بمعظمهم برتبة “مفاتيح إنتخابية” لدى المر. كذلك، في قضاء بحجم المتن لا يوجد إلا إتحاد بلديات واحد تسلمته إبنته ميرنا منذ سنوات.
لكن بعد هذا التاريخ، وعودة الأحزاب المسيحية الأساسية الى الساحة وإنكسار رهبة الخوف وعامل الإضطهاد بدأ القضم على الصعيد البلدي بشكل أساسي من خلال دخول أعضاء لهذه الأحزاب الى المجالس البلدية وتدرجياً عبر خسارة المر لعدد كبير من رؤساء البلديات.
ترهّل في ذراع المر البلدية
المشهد في بلديات ساحل المتن التي تضم التجمع الأكبر للأصوات الإنتخابية يظهر الترهل الذي أصاب ذراع المر البلدية خصوصاً بعد إستحقاق إنتخابات 2016 حيث تفلّت منها رؤساء البلديات تدريجياً.
في هذا الإطار، يعرض متخصص في الملف البلدي في ساحل المتن عبر موقع “أحوال” للواقع الحالي قائلاً: “في سن الفيل، رئيس البلدية نبيل كحالة عاد الى كتائبيته الصرف. أما في الجديدة – البوشرية – السد، فنفّذ رئيس البلدية أنطوان جبارة إنقلاباً كاملاً على المر في الانتخابات النيابية عام 2018 بإنتقاله الى الضفة العونية. فيما رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة أبلغ آل المر أنه سيبادله الوفاء في إنتخابات 2018 ولكن مع إغلاق صناديق الإقتراع يصبح متحرّراً من التبعية له. وتشير المعلومات الى أنه فتح خطاً ناشطاً مع النائب ابراهيم كنعان. في الزلقا – عمارة شلهوب، لا يزال رئيس البلدية ميشال عساف المر ثابتاً في ولائه ولكن في الانتخابات الأخيرة دخل 4 اعضاء للعونيين الى المجلس البلدي. رئيس بلدية جل الديب – بقنايا المهندس ريمون يوسف عطية تموضع بعد العام 2005 لدى العونيين. رئيس بلدية انطلياس إيلي فرحات أبو جودة يجاهد للحفاظ على وفائه للمر – وهو الذي اسقط اللائحة العونية المنافسة عام 2016 – خصوصاً بعد فتح ملفات مرتبطة بعمله البلدي أمام القضاء منذ عام 2017 قد تجبره على اللجوء الى العونيين بحثاً عن الحماية. فيما رئيس بلدية الضبية – زوق الخراب – حارة البلانة – عوكر قبلان الاشقر القومي السوري والموالي للمر، فقد إنتقل بدوره الى ضفة العونيين مع ترشيح إبنته كورين الى النيابة على لوائح “التيار” عام 2018. كما هناك بلديات خسرها المر الجد عام 2016 ومنها على سبيل المثال بلديات: بياقوت، بصاليم، القعقور والخنشارة والجوار”.
كذلك يشير المتخصص الى أن برحيل المر الجد سقطت إستهابته في بلدته بتغرين حيث لم يكن أحد يجرؤ على الترشح في وجهه. كما سوف يخسر المر الحفيد حكماً جزءاً من أصوات جده مع الحديث عن كثرة مرشحين محتملين من البلدة كـميشال غبريال المر الذي ينطلق من أصوات موظفيه من الـ mtv الى الزعرور، قبلان نجل رتيب صليبا الذي كان من أبرز رجالات المر ثم إنتقل الى العونيين وسمير صليبا صاحب شركة mike sport والذي إنضم بعد “17 تشرين” الى مجموعة “انا خط أحمر” فيما كان سابقاً على علاقة بالمر.
خلط أوراق المحاسيب والمجنسين
الى جانب البلديات، زرع المر المحاسيب في مفاصل الدولة وجنّد القضاة والضباط والمدراء العامين وكبار الموظفين في الوزارات والمؤسسات العامة مقابل تأمين الغطاء لهم أو النفوذ والترقيات. فشكّل هؤلاء أداة مهمة في بناء “إمبراطوريته”. لكن تقلّص حجم المر بعد العام 2005 مقابل صعود “التيار الوطني الحر” وإستخدامه نفس سلاح المر الخدماتي أي التغطية والترقية ولكن بقوة توازي أضعاف أضعاف قوة المر بسبب إمتلاك “التيار” أكبر كتلة نيابية ووزارية، جعل قسماً كبيراً من هؤلاء يقدّم أوراق إعتماده لدى العونيين ويفقد المر جزءاً اساسياً من قوته.
فيما المجنّسون الذين كانوا يستهيبون المر وسلطته ويخافون من سحب الجنسية منهم أو كانوا موعودين بتجنيس ما تبقى من أفراد العائلة أو كانوا يربطون أصواتهم بالمال الانتخابي، أضحوا بعد العام 2005 فئات:
أ- فئة تحّررت من عامل الخوف – معظمها من السريان والأشوريين والكلدان – وعادت الى الأحزاب المسيحية التي كانت فعّالة في صفوفها في زمن الحرب كالقوات اللبنانية والكتائب والعونيين.
ب- فئة مرتبطة بالخدمات والأموال مقابل الأصوات وأصبح لديها خيارات سياسية بديلة عن المر.
ت- فئة المجنسين الذين يتم إستقدامهم من سوريا من قبل مفاتيح، هؤلاء بدورهم أصبح لديهم بديلاً عن المر وضمن الخط السوري بعد زيارة الجنرال ميشال عون الى سوريا.
أضف الى هذه الأدوات، هناك القوميون الذين كانوا تحت مظلة المر واليوم يتسابق على جذبها النائبان الياس بو صعب وابراهيم كنعان مع أفضلية لبو صعب جراء أصوله القومية بينما يتقدم عليه كنعان في ما يتعلق بسائر الذين كانوا يدورون بفلك المر.
أما الأرمن الذين كانوا يشكلون سنداً إنتخابياً للمر، وإن تموضعوا بعد العام 2005 نحو العونيين، لكن مصادر متابعة تشير الى أنهم ظلوا يمرّرون كمية من الاصوات تكفل عدم سقوط المر بالانتخابات. وفي ظل قانون يعتمد على الصوت التفضيلي وعدم امتلاك “الطاشناق” حاصلاً اصبحوا عبءاً انتخابياً على “التيار” الذي يؤمّن وصول مرشحهم ولا يبادلونه التأييد في المفاصل السياسية وآخرها تسميتهم الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة لذا قد يتخلى عنهم “التيار” ويعودون الى التحالف الكلي مع المر الحفيد.
ولى زمن المحادل التي كان يقودها المر الجد ومفصل العام 2005 أعاده الى حجمه غير المنتفخ جراء عودة القيادات المسيحية وفقدانه حصرية الخدمات والمظلة. لذا مشوار ميشال المر الحفيد ليس بسهل وشبيه بمشوار جدّه في الستينات. صحيح أن خسارته المزيد من أصوات جده أصبحت أمراً محتوماً ولكن هل ينجح بما تبقى منها أن يلعب دور “بيضة قبان” إنتخابية ويستعيد قليلاً من وهج إمبراطورية جده؟